السبت، 1 ديسمبر 2012

اعدام اسرى

"يوم الشهيد العراقي"

أحمد خيري العمري
الزمان :الأول من كانون الأول..
أو الأول من ديسمبر..عام 1981قبل 30 عاما بالضبط.
المكان: البسيتين، محافظة ميسان جنوب العراق.
المناسبة: إعدام 160 أسير عراقي ، أسروا بعد نفاذ ذخيرتهم..، تم إعدامهم جميعا في الليلة ذاتها التي أسروا فيها على يد نظام الملالي المتستر بالدين والشريعة.
*********
ومن يومها والأول من كانون الأول..هو "يوم الشهيد العراقي"...
لكن هذه الصور لا تخص هذه الواقعة بالذات..
بل تخص أسيرا آخرا ، قتل بهذه الطريقة الوحشية في عام 1987 تقريبا..
تم ربط يديه بسيارتين..كل يد بسيارة..
ومن ثم سارت السيارتان كل باتجاه معاكس..
وسبقته يداه إلى الجنة...
التصوير يومها لم يكن عملا شائعا أو معتادا في هذه الحالات..فلم يكن هناك هواتف نقالة توضع في الجيب وتحتوي على كاميرات..
لكن الايرانيين أنفسهم كانوا قد صوروا المشهد لترويع من يقع في الأسر من العراقيين..ومن ثم تسرب المشهد على يد صحفي إيطالي على ما أذكر..وعرض على شاشة التلفاز في العراق..
لا أظن عراقيا عاش تلك الحقبة ينسى ذلك المشهد..
لا أظن عراقيا "حقيقيا" سينسى..
**********
لاحقا ،تم تشييد نصب تذكاري في ساحة قرب الجامعة المستنصرية ، نصب للأسير العراقي ، يجسد تلك الواقعة، ووقائع أخرى..ويعرض في خيال فني الملائكة وهي تأخذ اليدين المقطوعتين..وترفعهما إلى السماء..
وعندما دارت الدنيا دورتها الواسعة، ودخل الفرس محتلين تحت عباءة أحتلال آخر..أصدرت حكومتهم الأمر بإزالة النصب..حرصا على "مشاعر الود"..والعلاقة مع الجارة الصديقة..
كما لو أن إزالة النصب سيزيل التاريخ..وسيزيل ذاكرة متراكمة من نتائج حقد تضرب جذوره في "ثارات كسرى"-وليس ثارات الحسين كما يدعون...
بالمناسبة..عندما عرض المشهد،لم يفكر أحد فّي أن يسأل إن كان هذا الشهيد سنيا أو شيعيا أو مسيحيا أو صابئيا..كان مواطنا عراقيا فحسب، كان جنديا فهم أن "وقوعه في الأسر" لا يعني "سقوطه"..ورفض أن يبيع لهم وطنه..
كما أنه من المستحيل ،أن يكون كل من أعدموا في الأول من ديسمبر في البسيتين كلهم من السنة..يستحيل ببساطة لأنك لن تجد بالصدفة 160 عراقيا في الجيش العراقي ، إلا وكانت فيهم نسبة من الشيعة..كما هي نسبتهم في الحقيقة..وكونهم شيعة لم يغير شيئا من "إعدامهم" ...، بل أني أعرف شخصيا "شيعة" تعرضوا للتعذيب في معسكرات الأسر الإيرانية، وخرجوا بذاكرة متورمة وجروح لا تندمل...ومن المسكوت عنه (لأسباب مجهولة!) هو ان الشيعة العرب عموما لا يحبون "العجم" لتكبرهم..ولهم في ذلك أمثال شعبية سائرة لا استطيع كتابتها هنا (عن كسر عظم العجمي!)..لكن التخندقات الطائفية و سيادة المشروع الاقليمي الإيراني ،وتبعية النخب السياسية المطلقة لهذا المشروع، جعلت كل ذلك حقيقة غائبة..بل جعلت "الشيعة" العرب رهائن محتجزين عند المشروع الإيراني ...
*********
وليس هذا فقط..
فعندما دارت الدنيا دورتها الواسعة، لم تكتف الحكومة التابعة لإيوان كسرى بإزالة النصب،بل جعلت من "يوم الشهيد العراقي" يوما آخرا تماما،واختارت بالذات يوما في منتهى الاستفزاز..إذ جعلته يوم مقتل الشخص المتهم بالاشراف على عمليات قتل وتعذيب الأسرى العراقيين في إيران، حيث قتل بعد دخوله عقب احتلال العراق بفترة وجيزة..تخيلوا أي إهانة لكل شهيد..ولكل من أسر وعذب وأعدم..
*********
اليوم،الأول من كانون الأول..أشهر ذاكرتي بوجه كل من تسول له ذاكرته أن ينسى..تلك اليد المقطوعة لا تزال تنزف..ذلك الألم على الوجه لا يزال أقوى من كل لغة..لو أصغيتم قليلا وأنتم تتأملون في الصور لسمعتم صرخته..
ولوجدتم فيها صرخة كل مظلوم ، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو معتقده..
....
أستعير من الشهيد يده المقطوعة..
واحاول اليوم أن أكتب صرخته..
أن أوصلها لكم...
أجد يد الشهيد حارة وتنبض ومزدحمة بالكلمات كما لو أنها قطعت للتو...
بلى.لقد قطعت للتو.
ما دام هذا النظام لم يحاسب بعد على جرائمه..
ما دام المجرم لم يتلق عقابه، فكل ضحية لا يزال دمها المسفوك حارا ولو تعاقبت عليه العقود..
******************
الصور مروعة؟
نعم مروعة.
لكن الحقيقة دوما مروعة أكثر.
نسخة منها إلى الذين كانوا يدافعون عن "الثورة الايرانية"-اللاعنفية!- إلى أن وقفت هذه الثورة ضد مطالب الحرية والتطلعات لها في بلدهم..
هداهم الله وعافاهم من السذاجة التي أعيت من يداويها..

الاسرى العراقيين وقصة يوم الشهيد العراقي


"
حِين انبَثَقت مِن زَهر عينك دمعةٌ كأنها الندى ..
وحين سَالت تغسل الوجه الطهور
تكسّر كل شَيءٍ في داخلي
تحطّمت أنا ,
ولَم يبقَ سوى حبك معلقٌ ما بين الضلوع !
يعجنُ النبضَ بِصوتك لـ يأخذُ من ثناياه الأنّة
 وأحملها على بقاياي يا أمي .. لـ تستريحي
"* 

"رؤياكْ
عَبقٌ تضمخت به أضلع الصَدر
فازدهت بـ دَفقِ إمتاعٍ و حَشدٍ مِن فَرح
وزادكَ اقتناص الشّيب لـ سواد فوديكَ
إجلالاً ..
وعِطرُكَ الفَوّاح وثوبك الأبيض
يدنِي مِن خَيالِي صُورةَ مَلاكٍ يتجلّى عَلى سحنة بشريّ !
مِم أنتَ يا أبي ؟
فـ يداكَ أينع بـ حنانها رَوضُ القَلبِ وأزهر

 وَحين أجلس كـ طفلةٍ أمسحُ رأسكَ بيدي
تتخللنِي كُلّ نَبضةِ حُبّ قد حواها فؤادك ،


كَم من المرّاتِ حَدّقتُ في المرآة
أتأمل تلك الملامحَ التي أورثتني إياها
وكُلما كَبرت ازددت شبهاً بكَ ،
ويا لسعدِي حِين يخبرونني بأنّي أشبهك .!
فـ شرفٌ أني ابنتك وشرفٌ بأنّي أشبهك ")


 أحبّكَ أبِي
"*